اقتصاديات المعرفة




الدكتور عاشور فني


ظل علم الاقتصاد برهة من الزمن محجما عن المجالات المتعلقة بإنتاج المعرفة وإدارتها معتبرا إياها خارج اختصاصه، منشغلا باهتماماته التقليدية مما أتاح للعلوم الإنسانية، مثل علم النفس وعلوم التربية، الاستفراد بهذا المجال الخصب: مجال المعرفة. ففي حين تفرغ الاقتصاديون لدراسة الإنتاج والتوزيع والاستهلاك والدورات الاقتصادية وغيرها من المباحث المعروفة في قطاعات الإنتاج المادي، أي الزراعة والصناعة أو قطاع الخدمات، توسعت العلوم الإنسانية  في البحث المتعلق بالمعرفة.

يدرس اقتصاد المعرفة نظم الإنتاج المعرفي، أما إدارة المعرفة فتختص بتصميم التدخل وتنفيذه من اجل تحسين هذه النظم. أما إدارة اقتصاديات المعرفة فتشمل إدارة المعرفة في المخبر، في منظمة او في المجتمع ككل، وكذلك مسار عملية إنتاج المعرفة، ونشرها و تخزينها واسترجاعها واستعمالها وتنميتها.

انتبه الاقتصاديون مبكرا إلى الدور الذي تلعبه المعرفة في النمو الاقتصادي، ودرسوا اثر المعرفة على إنتاجية العمل. غير أنهم لم يدرسوا إنتاج المعرفة نفسها.

من المؤلفين الذين التفتوا لاقتصاد المعرفة جوزيف شومبيتر Joseph Schumpeter في العشرينيات من القرن العشرين وفريدريك فون هايك Friedrich Hayek في الثلاثينيات وفريتز ماكلوب  Fritz Machlup في الخمسينيات من القرن العشرين. وقد نشر ماكلوب مؤلفه الضخم سنة 1962 تحت عنوان :
"The Production and Distribution of Knowledge" in the United States (1962)

ثم نشر مؤلفا من أربع مجلدات سنة 1981-1983

"Knowledge: Its Creation, Distribution, and Economic Significance" (1981-1983)

وأدخل عدة مفاهيم أصبحت متداولة بين الباحثين مثل عمال المعرفة، وصناعة المعرفة، وصناعة الإعلام، واقتصاد المعرفة، وقد أثر على العديد من الباحثين الذين حذوا حذوه، من أمثال بيتر دروكر Peter Drucker ، وألفين توفلر Alvin Toffler.

وتماشيا مع ازدياد دور المعرفة في الاقتصاد بفضل الثورة العلمية والتقنية  وشيوع استخدام التكنولوجيا كثرت المؤلفات في اقتصاد المعرفة والإعلام، فقد أحصى ماكلوب 20.000 مطبوعة حول اقتصاد الإعلام والمعرفة سنة 1983، وفي سنة 2008 بلغت الأرقام 100.000 مادة منشورة حول الموضوع.

يفرق الباحثون بين اقتصاد المعرفة باعتباره علما نظريا، وإدارة المعرفة باعتبارها طرقا عملية لتطوير النظم التكنولوجية لاستعمال المعرفة واستخداماتها المختلفة، وتطوير الأدوات التقنية اللازمة لذلك من أجل تحسين حياة الأفراد والمؤسسات والمجتمعات وزيادة رفاهيتها.

الدكتور عاشور فني

الاتصال بالأستاذ
fenni.achour@gmail.com

الجامعة الجزائرية: أسئلة لبدايات القرن


الدكتور عاشور فني

ظهرت الجامعات في العالم حينما كانت "العلوم الكونية" التي يتطلب تدريسها تفوقا عقليا قليلة. ولم يكن التعليم في هذا المستوى الجامعي يعني إلا قلة قليلة من النخبة "العالمة"، في مقابل أكثرية غير متعلمة أصلا. كانت مسيرة تطور الجامعة شاقة ومؤلمة وكان الجهر ب"حقيقة علمية" يكلف العالم حياته.